فصل: (المزمل: الآيات 1- 14)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال محيي الدين الدرويش:

(73) سورة المزّمل صلى الله عليه وسلم مكيّة وآياتها عشرون.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

.[المزمل: الآيات 1- 14]

{يا أيُّها الْمُزّمِّلُ (1) قُمِ اللّيْل إِلاّ قلِيلا (2) نِصْفهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قلِيلا (3) أوْ زِدْ عليْهِ ورتِّلِ القرآن ترْتِيلا (4) إِنّا سنُلْقِي عليْك قولا ثقِيلا (5) إِنّ ناشِئة اللّيْلِ هِي أشدُّ وطْئا وأقْومُ قِيلا (6) إِنّ لك فِي النّهارِ سبْحا طوِيلا (7) واذْكُرِ اسْم ربِّك وتبتّلْ إِليْهِ تبْتِيلا (8) ربُّ الْمشْرِقِ والْمغْرِبِ لا إِله إِلاّ هُو فاتّخِذْهُ وكِيلا (9) واصْبِرْ على ما يقولون واهْجُرْهُمْ هجْرا جمِيلا (10) وذرْنِي والْمُكذِّبِين أُولِي النّعْمةِ ومهِّلْهُمْ قلِيلا (11) إِنّ لديْنا أنْكالا وجحِيما (12) وطعاما ذا غُصّةٍ وعذابا ألِيما (13) يوْم ترْجُفُ الْأرْضُ والْجِبالُ وكانتِ الْجِبالُ كثِيبا مهِيلا (14)}

.اللغة:

{الْمُزّمِّلُ} المتزمل وهو الذي تزمل في ثيابه أي تلفف بها بإدغام التاء في الزاي ونحوه المدّثر في المتدثر، يقال تزمّل في ثوبه التفّ وزمل لف قال امرؤ القيس:
كأن ثبيرا في عرانين وبله ** كبير أناس في بجاد مزمل

وقال ذو الرمّة:
وكائن تخطّت ناقتي من مفازة ** ومن نائم عن ليلها متزمل

وفي المصباح زملته بثوبه تزميلا فتزمل مثل لففته فتلفف، وزملت الشيء حملته، ومنه قيل للبعير زاملته بالهاء للمبالغة لأنه يحمل متاع المسافر.
وسيأتي المزيد من معناه في باب الفوائد.
{ناشِئة اللّيْلِ} القيام بعد النوم فهي صفة لمحذوف أي إن النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها للعبادة أي ترتفع وتنهض من نشأت السحابة إذا ارتفعت وقيل أنها مصدر بمعنى القيام من نشأ إذا قام ونهض فتكون كالعاقبة وفي المختار: {وناشئة الليل أول ساعاته وقيل ما ينشأ فيه من الطاعات}.
{وتبتّلْ إِليْهِ} انقطع إليه وتبتيلا مصدر على غير المصدر وهو واقع موقع التبتل لأن مصدر تفعّل تفعلا، نحو تصرف تصرفا وتكرم تكرما وأما التبتيل فمصدر تبل نحو صرف تصريفا قال في الخلاصة:
وغير ذي ثلاثة مقيس ** مصدره كقدس التقديس

قال في الكشاف: فإن قلت كيف قيل تبتيلا مكان تبتلا قلت: لأن معنى تبتل بتل نفسك فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل.
وعبارة أبي البقاء: قوله تعالى: {تبتيلا} مصدر على غير المصدر واقع موقع تبتل وقيل المعنى بتل نفسك تبتيلا.
{النّعْمةِ} بالفتح التنعم وبالكسر الإنعام وبالضم المسرّة.
{أنْكالا} قيودا ثقالا جمع نكل بكسر النون.
{كثِيبا} رملا مجتمعا.
{مهِيلا} سائلا بعد اجتماعه وهو من هال يهيل وهو اسم مفعول أصله مهيول استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الهاء وحذفت الواو ثاني الساكنين لزيادتها وقلبت الضمة كسرة لمجانسة الياء وفي المختار: هال الدقيق في الجراب صبّه من غير كيل وكل شيء أرسله إرسالا من رمل أو تراب أو طعام ونحوه فقد هاله فانهار أي جرى وانصبّ وبابه باع وأهال لغة فيه فهو مهال ومهيل.

.الإعراب:

{يا أيُّها الْمُزّمِّلُ قُمِ اللّيْل إِلّا قلِيلا} {يا} حرف نداء و{أيها} منادى مبني على الضم لأنه نكرة مقصودة والهاء للتنبيه و{المزمل} بدل أو نعت و{قم} فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{الليل} ظرف لقم وإن استغرقه الحدث الواقع فيه و{إلا} أداة استثناء و{قليلا} مستثنى من {الليل} وفيه دليل على أن المستثنى قد يكون مبهم المقدار.
{نِصْفهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قلِيلا} جوّز المعربون في {نصفه} أن يكون بدلا من {الليل} ومن {قليلا} فإذا كان بدلا من {الليل} كان الاستثناء منه وكان المأمور بقيامه نصف الليل إلا قليلا منه والضمير في {منه} و{عليه} عائد على النصف فيصير المعنى قم نصف الليل إلا قليلا أو أنقص من نصف الليل قليلا أو زد على نصف الليل فيكون قوله: {أو أنقص} من نصف الليل قليلا تكرارا لقوله: {إلا قليلا} من نصف الليل وذلك تركيب غير فصيح ينزّه القرآن عنه.
قال الزمخشري: {نصفه} بدل من {الليل} و{إلا قليلا} استثناء من النصف كأنه قال: قم أقل من نصف والضمير في منه وعليه للنصف والمعنى التخيير بين أمرين بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البتّ وبين أن يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه.
وقال أبو حيان تعقيبا على إعراب الزمخشري: فلم ينتبه للتكرار الذي يلزمه في هذا القول لأنه على تقديره قم أقل من نصف الليل كان أو أنقص من نصف الليل تكرارا، وإذا كان نصفه بدلا من قوله: {إلا قليلا} فالضمير في نصفه إما أن يعود على المبدل منه أو على المستثنى منه وهو الليل لا جائز أن يعود على المبدل منه لأنه يصير استثناء مجهول من مجهول إذ التقدير إلا قليلا نصف القليل وهذا لا يصح له معنى البتة وإن عاد الضمير على الليل فلا فائدة من الاستثناء من الليل إذ كان يكون أخصر وأوضح وأبعد عن الالتباس أن يكون التركيب قم الليل نصفه وقد أبطلنا قول من قال: {إلا قليلا} استثناء من البدل وهو نصفه وإن التقدير قم الليل نصفه إلا قليلا منه أي من النصف وأيضا ففي دعوى أن {نصفه} بدل من ج {إلا قليلا} وأن الضمير في {نصفه} عائد على {الليل} إطلاق القليل على النصف ويلزم أيضا أن يصير التقدير إلا نصفه فلا تقمه أو أنقص من النصف الذي لا تقومه أو زد عليه النصف الذي لا تقومه وهذا معنى لا يصحّ وليس المراد من الآية قطعا. وقال الزمخشري أيضا: وإن شئت جعلت {نصفه} بدلا من {قليلا} وكان تخييرا بين ثلاث: بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقص منه وبين قيام الزائد عليه وإنما وصف النصف بالقلّة بالنسبة إلى الكل وإن شئت قلت: لما كان معنى {قم الليل إلا قليلا نصفه} إذا أبدلت النصف من الليل قم أقل من نصف الليل رجع الضمير في {منه} و{عليه} إلى الأقل من النصف فكأنه قيل: قم أقل من نصف الليل وقم أنقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث ويجوز إذا أبدلت {نصفه} من {قليلا} وفسّرته به أن تجعل قليلا الثاني بمعنى نصف النصف وهو الربع كأنه قيل أو أنقص منه قليلا نصفه وتجعل المزيد على هذا القليل أعني الربع نصف الربع كأنه قيل أو زد عليه قليلا نصفه ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث فتكون تخييرا بين النصف والثلث والربع.
وتعقبه أبو حيان كعادته فقال: وما أوسع خيال هذا الرجل فإنه يجوز ما يقرب وما يبعد والقرآن لا يجوز أن يحمل إلا على أحسن الوجوه التي تأتي في كلام العرب. وممّن نصّ على جواز أن يكون {نصفه} بدلا من {الليل} أو من {قليلا} الزمخشري كما ذكرنا عنه وابن عطية أورده مورد الاحتمال وأبو البقاء قال: أشبه بظاهر الآية أن يكون بدلا من {قليلا أو زد عليه} والهاء فيهما للنصف فلو كان الاستثناء من النصف صار التقدير قم نصف الليل إلا قليلا أو أنقص منه قليلا والقليل المستثنى غير مقدّر فالنقصان منه لا يتحصل.
وأما الخوفي فأجاز أن يكون بدلا من الليل ولم يذكر غيره.
وقال ابن عطية: وقد يحتمل عندي قوله: {إلا قليلا} أنه استثناء من القيام فيجعل {الليل} اسم جنس. ثم قال: {إلا قليلا}، أي الليالي التي تخل بقيامها عند العذر البيّن وهذا النظر يحسن مع القول بالندب.
وقال أبو حيان معقّبا: وهذا خلاف الظاهر وقيل المعنى أو نصفه كما تقول أعطه درهما درهمين ثلاثة تريد أو درهمين أو ثلاثة وفيه حذف حرف العطف من غير دليل عليه. أو قال التبريزي: الأمر بالقيام والتخيير في الزيادة والنقصان وقع على الثلثين من آخر الليل لأن الثلث الأول وقت العتمة والاستثناء وارد على المأمور به فكأنه قال قم الليل إلا قليلا ثم جعل {نصفه} بدلا من {قليلا} فصار القليل مفسّرا بالنصف من الثلثين وهو قليل من الكل فقوله: {أو أنقص منه} أي من المأمور به وهو قيام الثلث قليلا أي ما دون نصفه أو زد عليه أي على الثلثين فكان التخيير في الزيادة والنقصان واقعا على الثلثين {أوْ زِدْ عليْهِ ورتِّلِ القرآن ترْتِيلا} أو عاطفة للتخيير أي بين قيام نصف الليل وبين الزائد عليه إلى الثلثين وبين الناقص عنه إلى الثلث، و{زد} فعل أمر و{عليه} متعلقان بـ: {زد} و{رتل القرآن} فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به و{ترتيلا} مفعول مطلق.
{إِنّا سنُلْقِي عليْك قولا ثقِيلا} الجملة اعتراض بين الأمر بقيام الليل وبين تعليله بقوله الآتي: {إن ناشئة الليل} إلخ وقيل مستأنفة وعبارة الزمخشري: وهذه الآية اعتراض ويعني بالقول الثقيل القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين وخاصة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأنه متحملها بنفسه ومحملها أمته فهي أثقل عليه وأبهظ له، وأراد بهذا الاعتراض أن ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الثقيلة الصعبة التي ورد بها القرآن لأن الليل وقت السبات والراحة والهدوء فلابد لمن أحياه من مضادة لطبعه ومجاهدة لنفسه.
وإن واسمها وجملة {سنلقي} خبرها و{عليك} متعلقان بنلقي و{قولا} مفعول به و{ثقيلا} نعت أي كلاما عظيما جليلا مهيبا ذا خطر وكل شيء له خطر ومقدار فهو ثقيل.
{إِنّ ناشِئة اللّيْلِ هِي أشدُّ وطْئا وأقْومُ قِيلا} الجملة تعليل لما تقدم وإن واسمها و{هي} ضمير فصل أو مبتدأ و{أشدّ} خبر إن أو خبر هي والجملة خبر إن و{وطأ} تمييز {وأقوم} عطف على {أشد} و{قيلا} تمييز أي قولا.
{إِنّ لك فِي النّهارِ سبْحا طوِيلا} {إن} حرف مشبه بالفعل و{لك} خبر إن المقدّم و{في النهار} حال لأنه كان في الأصل صفة لـ: {سبحا} و{سبحا} اسم إن و{طويلا} اسمها المؤخر، وسيأتي معنى السبح في باب البلاغة.
{واذْكُرِ اسْم ربِّك وتبتّلْ إِليْهِ تبْتِيلا} عطف على ما تقدم و{اسم ربك} مفعول {اذكر} أي دم عليه ليلا ونهارا على أيّ حال ووجه {وتبتل} فعل أمر و{إليه} متعلقان به و{تبتيلا} مفعول مطلق.
{ربُّ الْمشْرِقِ والْمغْرِبِ لا إِله إِلّا هُو فاتّخِذْهُ وكِيلا} {رب المشرق} يقرأ بالرفع فهو خبر لمبتدأ محذوف ويقرأ بالجر على أنه بدل من {ربك} والقراءتان سبعيتان و{لا إله إلا هو} تقدم إعراب الشهادة في البقرة، والفاء الفصيحة أي إن عرفت ذلك وآمنت به فاتخذه، واتخذه فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به أول و{وكيلا} مفعول به ثان.
{واصْبِرْ على ما يقولون واهْجُرْهُمْ هجْرا جمِيلا} عطف على ما تقدم {واصبر} فعل أمر وفاعله مستتر تقديره هو و{على ما} متعلقان بـ: {اصبر} وجملة {يقولون} صلة {ما} {واهجرهم} عطف على {اصبر} و{هجرا} مفعول مطلق و{جميلا} نعت.
{وذرْنِي والْمُكذِّبِين أُولِي النّعْمةِ ومهِّلْهُمْ قلِيلا} عطف أيضا {وذرني} فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به {والمكذبين} مفعول معه أو عطف على المفعول به والمعنى أنا أكفيك أمرهم فلا تأس ولا تحزن، و{أولي النعمة} نعت للمكذبين، {ومهّلهم} فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به و{قليلا} نعت لمصدر محذوف أو ظرف أي قليلا من الزمن.
{إِنّ لديْنا أنْكالا وجحِيما} {إن} حرف مشبّه بالفعل و{لدينا} ظرف متعلق بمحذوف خبرها المقدم و{أنكالا} اسمها المؤخر {وجحيما} عطف على {أنكالا}.
{وطعاما ذا غُصّةٍ وعذابا ألِيما} عطف على {أنكالا} و{ذا غصة} نعت وهو الزقوم أو الضريع يغصّ به في الحلق و{عذابا} عطف أيضا.
{يوْم ترْجُفُ الْأرْضُ والْجِبالُ وكانتِ الْجِبالُ كثِيبا مهِيلا} الظرف متعلق بالاستقرار الذي تعلق به {لدينا} ولك أن تعلقه بمحذوف نعت لـ: {عذابا} أي عذابا واقعا يوم ترجف وجملة {ترجف الأرض} في محل جر بإضافة الظرف إليها والواو حرف عطف و{كانت الجبال} كان واسمها و{كثيبا خبرها} و{مهيلا نعت} لـ: {كثيبا}.

.البلاغة:

1- في الآيات المتقدمة يبدو الطباق واضحا بين المشرق والمغرب.
2- وفي قوله: {إن لك في النهار سبحا طويلا} استعارة تصريحية، فالسبح مصدر سبح وقد استعير من السباحة في الماء للتصرّف في مناحي العيش وحوائج الناس أي إن لك في النهار تصرفا وتقلبا في المهمات كما يتردد السابح في الماء قال الشاعر:
أباحوا لكم شرق البلاد وغربها ** ففيها لكم يا صاح سبح من السبح

وقرئ {سبخا} بالخاء المعجمة ومعناه خفه من التكاليف، والتسبيخ التخفيف وهو استعارة من سبخ الصوف إذا نفشه ونشر أجزاءه ومعناه انتشار الهمّة وتفرّق الخاطر في الشواغل ويقال لقطع القطن سبائخ الواحدة سبيخة ومنه قول الأخطل:
فأرسلوهنّ يذرين التراب كما ** يذري سبائخ قطن ندف أوتار